الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع
.فَصْلٌ: الشَّرْطُ الْخَامِسُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ دُونَ إجْزَائِهَا (الِاسْتِطَاعَةُ): لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} فَ (مَنْ) بَدَلٌ مِنْ {النَّاسِ} فَتَقْدِيرُهُ: وَلِلَّهِ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ وَلِانْتِفَاءِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ شَرْعًا وَعَقْلًا (وَهِيَ) أَيْ: الِاسْتِطَاعَةُ (أَنْ يَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً لِذَهَابِهِ وَعَوْدِهِ أَوْ) يَمْلِكَ (مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ) أَيْ: الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ: مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا يُوجِبُ الْحَجَّ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ السَّبِيلِ فَقَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» وَكَذَا رَوَاهُ جَابِرٌ وَابْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ؛ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ شَرْطًا لَهَا كَالْجِهَادِ (فَيُعْتَبَرُ الزَّادُ مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَبُعْدَهَا إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ لَمْ يُعْتَبَرْ قَالَ فِي الْفُنُونِ: الْحَجُّ بَدَنِيٌّ مَحْضٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُدَّعَى أَنَّ الْمَالَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَحْصُلُ الْمَشْرُوطُ دُونَهُ، وَهُوَ الْمُصَحِّحُ لِلْمَشْرُوطِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَكِّيَّ يَلْزَمُهُ وَلَا مَالَ لَهُ (فَإِنْ وَجَدَهُ) أَيْ: الزَّادَ (فِي الْمَنَازِلِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَمْلُهُ) مِنْ بَلَدِهِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ (إنْ وَجَدَهُ) أَيْ: الزَّادَ (يُبَاعُ بِثَمَنٍ مِثْلِهِ فِي الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ أَوْ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ) كَمَا الْوُضُوءُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ بِالْمَنَازِلِ أَوْ وَجَدَهُ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ (لَزِمَهُ حَمْلُهُ) مَعَهُ مِنْ بَلَدِهِ (وَالزَّادُ:مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَكِسْوَةٍ).وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: لَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِمِثْلِهِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ صَحِيحٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّهُ كَالرَّاحِلَةِ ا هـ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ فَقَالَ: وَوَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَةً صَالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ بِالزَّادِ: أَنْ لَا يَحْصُلَ مَعَهُ ضَرَرٌ لِرَدَاءَتِهِ (وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الزَّادِ وَالنَّفَقَةِ عِنْدَ إمْكَانِهِ لِيُؤْثِرَ مُحْتَاجًا وَرَفِيقًا وَأَنْ تَطِيبَ نَفْسُهُ بِمَا يُنْفِقُهُ)؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ فِي أَجْرِهِ قَالَ تَعَالَى {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُشَارِكَ غَيْرَهُ فِي الزَّادِ وَأَمْثَالِهِ)؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْضَى إلَى النِّزَاعِ أَوْ أَكَلَ أَكْثَرَ مِنْ رَفِيقِهِ، وَقَدْ لَا يَرْضَى بِهِ (وَاجْتِمَاعُ الرِّفَاقِ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى طَعَامِ أَحَدِهِمْ عَلَى الْمُنَاوَبَةِ أَلْيَقُ بِالْوَرَعِ مِنْ الْمُشَارَكَةِ) فِي الزَّادِ، (وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا الْقُدْرَةُ عَلَى وِعَاءِ الزَّادِ)؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ (وَتُعْتَبَرُ الرَّاحِلَةُ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ فَقَطْ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ.(وَهُوَ) أَيْ: بُعْدُ الْمَسَافَةِ (مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ) أَيْ: مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ، وَ(لَا) تُعْتَبَرُ الرَّاحِلَةُ (فِيمَا دُونَهَا) أَيْ: دُونَ الْمَسَافَةِ الَّتِي تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ (مِنْ مَكِّيٍّ وَغَيْرِهِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ الْمَسَافَةِ (وَيَلْزَمُهُ الْمَشْيُ) لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ فِيهَا غَالِبًا؛ وَلِأَنَّ مَشَقَّتَهَا يَسِيرَةٌ وَلَا يُخْشَى فِيهَا عَطَبٌ عَلَى تَقْدِيرِ الِانْقِطَاعِ بِهَا بِخِلَافِ الْبَعِيدِ؛ وَلِهَذَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى الْمَكَانَ الْبَعِيدَ بِالذِّكْرِ فِي قَوْلِهِ {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، (إلَّا مَعَ عَجْزٍ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ) كَمَرَضٍ فَتُعْتَبَرُ الرَّاحِلَةُ حَتَّى فِيمَا دُونَ الْمَسَافَةِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا إذَنْ، (وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَبْوُ) أَيْ السَّيْرُ إلَى الْحَجِّ حَبْوًا (وَإِنْ أَمْكَنَهُ) لِمَزِيدِ مَشَقَّةٍ.(وَ) يَعْتَبِرُ (مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ آلَتِهَا) أَيْ: الرَّاحِلَةِ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ إذْ لَا بُدَّ لِلرَّاحِلَةِ مِنْ آلَةٍ فَتُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِمَا (بِكِرَاءٍ أَوْ شِرَاءٍ) حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ (صَالِحًا لِمِثْلِهِ عَادَةً لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ) فِي ذَلِكَ، (فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَكْفِيه الرَّحْلُ وَالْقَتَبُ وَلَا يَخْشَى السُّقُوطَ) بِرُكُوبِهِ كَذَلِكَ (اكْتَفَى بِذَلِكَ) أَيْ: بِالرَّحْلِ وَالْقَتَبِ عَنْ الْمَحْمِلِ، (فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِذَلِكَ أَوْ يَخْشَى السُّقُوطَ عَنْهَا) أَيْ: عَنْ الرَّاحِلَةِ إنْ اكْتَفَى بِالرَّحْلِ وَالْقَتَبِ (اُعْتُبِرَ وُجُودُ مَحْمِلٍ) صَالِحٍ لَهُ.(وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا لَا يُخْشَى سُقُوطُهُ عَنْهُ وَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ) عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} حَرَجٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَرْكُوبُ جَيِّدًا (لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ)، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خِدْمَةِ نَفْسِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ اُعْتُبِرَ مَنْ يَخْدُمُهُ (قَالَهُ الْمُوَفَّقُ)، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَوْ أَمْكَنَهُ لَزِمَهُ عَمَلًا بِظَاهِرِ النَّصِّ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالرَّاحِلَةِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ.قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا دَابَّتُهُ إنْ كَانَتْ مِلْكَهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خِدْمَتِهَا وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهَا اُعْتُبِرَ مَنْ يَخْدُمُهَا؛ (لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهِ) فَاعْتُبِرَتْ قُدْرَتُهُ عَلَيْهِ، (فَإِنْ تَكَلَّفَ الْحَجَّ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ) وَحَجَّ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ خَلْقًا مِنْ الصَّحَابَةِ حَجُّوا وَلَا شَيْءَ لَهُمْ وَلَمْ يُؤْمَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْإِعَادَةِ وَلِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِلْوُصُولِ فَإِذَا وَصَلَ وَفَعَلَ أَجْزَأَهُ كَالْمَرِيضِ.(وَ) مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ وَ(أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ بِغَيْرِهِ مِثْلُ مَنْ يَكْتَسِبُ بِصِنَاعَةٍ) فِي سَفَرِهِ (كَالْخَرَّازِ أَوْ مُقَارَنَةِ مَنْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ أَوْ يَكْتَرِي لِزَادِهِ) وَلَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْمَشْيِ.(وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْحَجُّ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَطِيعٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ: مِلْكُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَيُكْرَهُ الْحَجُّ (لِمَنْ حِرْفَتُهُ الْمَسْأَلَةُ قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِيمَنْ يَدْخُلُ الْبَادِيَةَ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ لَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ يَتَوَكَّلُ عَلَى أَزْوَادِ النَّاسِ).قُلْتُ فَإِنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَحَسُنَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَمْ يَسْأَلْ النَّاسَ فَلَا كَرَاهَةَ، (وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ) أَيْ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَآلَتِهِمَا أَوْ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ (فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ كُتُبٍ)؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمَسْكَنِ وَنَحْوِهِ.(وَمَسْكَنٍ لِلسُّكْنَى)؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ يُقَدَّمُ بِهِ عَلَى غُرَمَائِهِ فَهَهُنَا أَوْلَى (أَوْ) مَسْكَنٌ (يَحْتَاجُ إلَى أُجْرَتِهِ لِنَفَقَتِهِ أَوْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ) لِتَأَكُّدِ حَقِّهِمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، أَوْ أَيْ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَاضِلًا عَنْ (بِضَاعَةٍ يَخْتَلُّ رِبْحُهَا الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ) لَوْ صَرَفَ فِيهِ شَيْئًا مِنْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ عَلَيْهِ (وَ) يُعْتَبَرُ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ خَادِمٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُفْلِسَ يُقَدَّمُ بِهِ عَلَى غُرَمَائِهِ.(وَ) يُعْتَبَرُ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا (عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ حَالًّا كَانَ) الدَّيْنُ (أَوْ مُؤَجَّلًا لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيِّ)؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ مَشْغُولَةٌ بِهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى بَرَاءَتِهَا.(وَ) يَعْتَبِرُ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَمَّا (لَا بُدَّ لَهُ) مِنْهُ كَمُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّيْنِ فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْحَجِّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، (لَكِنْ إنْ فَضَلَ مِنْهُ عَنْ حَاجَتِهِ) وَأَمْكَنَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ مَا يَكْفِيهِ (بِأَنْ كَانَ الْمَسْكَنُ وَاسِعًا أَوْ الْخَادِمُ نَفِيسًا فَوْقَ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَأَمْكَنَ بَيْعُهُ وَشِرَاءُ قَدْرِ الْكِفَايَةِ مِنْهُ)، وَيَفْضُلُ مَا يَحُجُّ بِهِ لَزِمَهُ (ذَلِكَ)، وَكَذَا إنْ اسْتَغْنَى بِإِحْدَى نُسْخَتَيْ كِتَابٍ بَاعَ الْأُخْرَى (وَيُقَدِّمُ النِّكَاحَ مَعَ عَدَمِ الْوُسْعِ) لِلنِّكَاحِ وَالْحَجِّ (مَنْ خَافَ الْعَنَتَ نَصًّا) وَقَوْلُهُ (وَمَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ) أَيْ: وَيُقَدِّمُ النِّكَاحَ مَعَ عَدَمِ الْوُسْعِ مَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، بَلْ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ الْعَنَتَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَذِهِ الْحَاجَةِ قَوْلًا وَاحِدًا ا هـ.لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَمَسْنُونٍ (وَيُعْتَبَرُ) فِي الِاسْتِطَاعَةِ (أَنْ يَكُونَ لَهُ إذَا رَجَعَ) مِنْ حَجِّهِ (وَمَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ عَلَى الدَّوَامِ) لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ كَالْمُفْلِسِ (وَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا بَعْدَ رُجُوعِهِ عَلَيْهَا) يَعْنِي وَلَمْ يُعْتَبَرْ عَلَى رِوَايَةِ مَا يَكْفِيهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ فَيُعْتَبَرُ إذَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالرَّوْضَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: فَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُفْلِسَ وَمِثْلَهُ أَوْلَى (مِنْ أُجُورِ عَقَارٍ أَوْ رِبْحِ بِضَاعَةٍ أَوْ) مِنْ (صِنَاعَةٍ وَنَحْوِهَا) كَثِمَارِ وَعَطَاءٍ مِنْ دِيوَانٍ، (وَلَا يَصِيرُ الْعَاجِزُ) عَنْ ذَلِكَ (مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ لَهُ مَالًا أَوْ مَرْكُوبًا وَلَوْ) كَانَ الْبَاذِلُ وَلَدًا أَوْ وَالِدًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ كَبَذْلِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ.(فَمَنْ كَمُلَتْ لَهُ هَذِهِ الشُّرُوطُ) الْخَمْسَةُ (وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ عَلَى الْفَوْرِ نَصًّا) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «تَعَجَّلُوا إلَى الْحَجِّ» يَعْنِي الْفَرِيضَةَ وَحَدِيثُ الْفَضْلِ «مَنْ أَرَادَ الْحَجّ فَلْيَتَعَجَّلْ» رَوَاهُمَا أَحْمَدُ، وَلَيْسَ التَّعْلِيقُ عَلَى الْإِرَادَةِ هُنَا لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ، بَلْ كَقَوْلِهِ «مَنْ أَرَادَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ فَلْيَتَوَضَّأْ» وقَوْله تَعَالَى {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} وَلِأَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَرْضُ الْعُمْرِ فَأَشْبَهَا الْإِيمَانُ، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ جُمْلَةٌ مِمَّا يَتَعَلَّق بِذَلِكَ.تَتِمَّةٌ:قَالَ ابْنُ بُخْتَانٍ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يَغْزُو قَبْلَ الْحَجِّ قَالَ: نَعَمْ إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ الْحَجِّ أَجْوَدُ، وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ رَجُلٍ قَدِمَ يُرِيدُ الْغَزْوَ وَلَمْ يَحُجَّ فَنَزَلَ عَلَيْهِ قَوْمٌ فَثَبَّطُوهُ عَنْ الْغَزْوِ وَقَالُوا: إنَّك لَمْ تَحُجَّ تُرِيدُ أَنْ تَغْزُوَ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ: اللَّهِ يَغْزُو وَلَا عَلَيْهِ فَإِنْ أَعَانَهُ اللَّهُ حَجَّ وَلَا نَرَى بِالْغَزْوِ قَبْلَ الْحَجِّ بَأْسًا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا مَعَ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَهُ، لَكِنَّ تَأْخِيرَهُ لِمَصْلَحَةِ الْجِهَادِ كَتَأْخِيرِ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْفَوْرِ لِانْتِظَارِ قَوْمٍ أَصْلَحَ مِنْ غَيْرِهِمْ أَوْ لِضَرَرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَتَأْخِيرِ الْفَوَائِتِ لِلِانْتِقَالِ عَنْ مَكَانِ الشَّيْطَانِ وَهَذَا أَجْوَدُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي تَأْخِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ إنْ كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ مُتَقَدِّمًا، وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي جَوَازَ الْغَزْوِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مَالٌ لِلْحَجِّ: فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ أَعَانَهُ اللَّهُ حَجَّ مَعَ أَنَّ عِنْدَهُ تَقْدِيمَ الْحَجِّ أَوْلَى، كَمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ فِي الْجِهَادِ.فَإِنْ (عَجَزَ عَنْ السَّعْيِ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (لِكِبَرٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ) كَالسُّلِّ (أَوْ ثِقَلٍ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ يَرْكَبُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ أَوْ كَانَ نِضْوَ الْخِلْقَةِ وَهُوَ الْمَهْزُولُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ، وَيُسَمَّى) الْعَاجِزُ عَنْ السَّعْيِ لِزَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ (الْمَعْضُوبَ) مِنْ الْعَضْبِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ: وَهُوَ الْقَطْعُ كَأَنَّهُ قُطِعَ عَنْ كَمَالِ الْحَرَكَةِ وَالتَّصَرُّفِ وَيُقَالُ: بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ كَأَنَّهُ ضُرِبَ عَلَى عَصَبِهِ فَانْقَطَعَتْ أَعْضَاؤُهُ قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنَاسِكِهِ (أَوْ أَيِسَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَحْرَمٍ لَزِمَهُ) أَيْ: مَنْ ذُكِرَ (إنْ وَجَدَ نَائِبًا حُرًّا أَنْ يُقِيمَ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَيْسَرَ مِنْهُ)، إنْ كَانَ غَيْرَ بَلَدِهِ (مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرُ) عَلَى الْفَوْرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ؟ عَنْهُ قَالَ: حُجِّي عَنْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِهَا فَجَازَ أَنْ يَقُومَ غَيْرُهُ فِيهِ كَالصَّوْمِ، وَسَوَاءٌ وَجَبَ عَلَيْهِ حَالَ الْعَجْزِ أَوْ قَبْلَهُ (وَلَوْ) كَانَ النَّائِبُ (امْرَأَةً عَنْ رَجُلٍ وَلَا كَرَاهَةَ) فِي نِيَابَةِ الْمَرْأَةِ عَنْ الرَّجُلِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَكَعَكْسِهِ (وَقَدْ أَجْزَأَ) حَجُّ النَّائِبِ (عَنْهُ) أَيْ: عَنْ الْمَعْضُوبِ.(وَإِنْ عُوفِيَ قَبْلَ فَرَاغِهِ) أَيْ: النَّائِبِ (أَوْ بَعْدَهُ)؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ فَخَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْرَأْ وَكَالْمُتَمَتِّعِ إذَا شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ، (وَإِنْ عُوفِيَ) الْمَعْضُوبُ (قَبْلَ إحْرَامِ النَّائِبِ لَمْ يُجْزِئْهُ) أَيْ: الْمَعْضُوبَ حَجُّ النَّائِبِ عَنْهُ اتِّفَاقًا لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمُبْدَلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْبَدَلِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ (كَمَا لَوْ اسْتَنَابَ مَنْ يُرْجَى زَوَالُ عِلَّتِهِ) أَيْ: مَرَضِهِ وَنَحْوِهِ كَالْمَحْبُوسِ.(وَلَوْ كَانَ) الْمَعْضُوبُ (قَادِرًا عَلَى نَفَقَةِ رَاجِلٍ) دُونَ رَاكِبٍ (لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ) أَيْ اسْتِنَابَةُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ حَيْثُ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَطِيعٍ لِمَا تَقَدَّمَ.(وَإِنْ كَانَ) الْمَعْضُوبُ (قَادِرًا) عَلَى نَفَقَةِ رَاكِبٍ (وَلَمْ يَجِدْ) الْمَعْضُوبُ (نَائِبًا فِي الْحَجِّ) عَنْهُ (اُبْتُنِيَ بَقَاؤُهُ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى إمْكَانِ الْمَسِيرِ عَلَى مَا يَأْتِي) فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ شَرْطٌ لِلُزُومِ الْأَدَاءِ بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يَجِدَ نَائِبًا، وَإِنْ قُلْنَا: شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا وُجِدَ النَّائِبُ بَعْدُ لَمْ تَلْزَمْهُ الِاسْتِنَابَةُ إلَّا أَنْ يَكُونُ مُسْتَطِيعًا إذْ ذَاكَ.(وَمَنْ أَمْكَنَهُ السَّعْيُ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (لَزِمَهُ) السَّعْيُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَكَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ (إذَا كَانَ فِي وَقْتِ الْمَسِيرِ) أَيْ مَسِيرِ أَهْلِ بَلَدِهِ إلَى الْحَجِّ عَلَى الْعَادَةِ فَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسِيرَ سَيْرًا مُجَاوِزًا لِلْعَادَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ (وَوَجَدَ طَرِيقًا آمِنًا)؛؛ لِأَنَّ فِي اللُّزُومِ بِدُونِهِ ضَرَرًا وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا، وَسَوَاءٌ كَانَ بَعِيدًا أَوْ قَرِيبًا، (وَلَوْ غَيَّرَ الطَّرِيقَ الْمُعْتَادَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ سُلُوكُهُ بِحَسَبِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بَرًّا كَانَ) الطَّرِيقُ (أَوَبَحْرًا الْغَالِبُ فِيهِ) أَيْ: الْبَحْرِ (السَّلَامَةُ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ إلَّا حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِيهِ مَقَالٌ.وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ سُلُوكُهُ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى أَشْبَهَ الْبِرَّ، (وَإِنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ لَمْ يَلْزَمْهُ سُلُوكُهُ) ذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا فِي الْبَحْرِ، (وَإِنْ سَلِمَ فِيهِ قَوْمٌ وَهَلَكَ قَوْمٌ وَلَا غَالِبَ) مِنْهُمَا بَلْ اسْتَوَيَا (لَمْ يَلْزَمْهُ) سُلُوكُهُ قَالَ الشَّيْخُ: أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَهِيدًا.(وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ) سُلُوكُهُ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ خَفَارَةٌ) بِتَثْلِيثِ الْخَاءِ: جَعْلُ الْخَفِيرِ يُقَالُ خَفَرْت الرَّجُلَ حَمَيْته وَأَجَرْته مِنْ مُطَالِبِيهِ فَأَنَا خَفِيرٌ قَالَهُ فِي حَاشِيَتِهِ، (فَإِنْ كَانَتْ) الْخَفَارَةُ (يَسِيرَةً لَزِمَهُ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ)؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ يَسِيرٌ فَاحْتُمِلَ (وَزَادَ) أَيْ: الْمَجْدُ: (إذَا أَمِنَ) بَاذِلُ الْخَفَارَةِ (الْغَدْرَ مِنْ الْمَبْذُولِ لَهُ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: (وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ) بَلْ يَتَعَيَّنُ.(قَالَ حَفِيدُهُ) أَيْ حَفِيدُ الْمَجْدِ وَهُوَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (الْخَفَارَةُ تَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الدَّفْعِ عَنْ الْمُخْفَرِ وَلَا تَجُوزُ مَعَ عَدَمِهَا) أَيْ:عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا كَمَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنْ الرَّعَايَا.وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ مَعَ الْخَفَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ فَلَمْ يَلْزَمْ بَذْلُهَا فِي الْعِبَادَةِ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ) أَيْ: الطَّرِيقِ (الْمَاءُ وَالْعَلَفُ عَلَى الْمُعْتَادِ) بِأَنْ يَجِدَهُ فِي الْمَنَاهِلِ الَّتِي يَنْزِلُهَا (فَلَا يَلْزَمُهُ حَمْلُ ذَلِكَ لِكُلِّ سَفْرَةٍ)؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ بَلْ يَتَعَذَّرُ بِخِلَافِ ذَاتِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ حَمْلُهُ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ حَمْلُ الْمَاءِ مِنْ مَنْهَلٍ إلَى مَنْهَلٍ وَالْكَلَأَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ (فَسَعَةُ الْوَقْتِ هِيَ وَإِمْكَانُ الْمَسِيرِ بِأَنْ تَكْمُلَ الشَّرَائِطُ فِيهِ، وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ) بِحَيْثُ (يَتَمَكَّنْ مِنْ الْمَسِيرِ لِأَدَائِهِ) أَيْ: الْحَجِّ أَيْ: بِحَيْثُ يُمْكِنْهُ تَحْصِيلُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَا يَفُوتُهُ الرُّفْقَةُ.(وَأَمْنُ الطَّرِيقِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ) أَيْ الطَّرِيقِ (مَانِعٌ مِنْ خَوْفٍ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ) أَيْ: وُجُوبِ الْحَجِّ (كَقَائِدِ الْأَعْمَى وَدَلِيلِ الْبَصِيرِ الَّذِي يَجْهَلُ الطَّرِيقَ)، فَمَنْ عَدِمَ ذَلِكَ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ لِتَعَذُّرِ فِعْلِ الْحَجِّ مَعَهُ كَعَدَمِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ.(وَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْأَعْمَى وَالْجَاهِلَ بِالطَّرِيقِ (أُجْرَةُ مِثْلِهِ) أَيْ الْقَائِدِ وَالدَّلِيلِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتِمُّ بِهِ الْوَاجِبُ، (وَلَوْ تَبَرَّعَ) الْقَائِدُ وَالدَّلِيلُ (لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ: الْأَعْمَى وَالْجَاهِلَ (لِلْمِنَّةِ وَعَنْهُ) أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ سَعَةَ الْوَقْتِ وَأَمْنَ الطَّرِيقِ وَقَائِدَ الْأَعْمَى وَدَلِيلَ الْجَاهِلِ (مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَّرَ السَّبِيلَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ؛ وَلِأَنَّ إمْكَانَ الْأَدَاءِ لَيْسَ شَرْطًا فِي وُجُوبِ الْعِبَادَةِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ زَالَ الْمَانِعُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ مَا يُمْكِنُ الْأَدَاءُ فِيهِ، وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ وَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْأَدَاءُ دُونَ الْقَضَاءِ كَالْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ بُرْؤُهُ، وَعَدَمُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْجَمِيعُ فَعَلَى هَذَا (يَأْثَمُ إنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ) أَيْ: الْحَجِّ إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَأُمِنَتْ الطَّرِيقُ وَوُجِدَ الْقَائِدُ وَالدَّلِيلُ (كَمَا نَقُولُ فِي طَرَيَانِ الْحَيْضِ) بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَإِنَّ الْحَائِضَ تَأْثَمُ إنْ لَمْ تَعْزِمْ عَلَى الْقَضَاءِ إذَا زَالَ، (فَالْعَزْمُ فِي الْعِبَادَاتِ مَعَ الْعَجْزِ) عَنْهَا (يَقُومُ مَقَامَ الْأَدَاءِ فِي عَدَمِ الْإِثْمِ) حَالَ الْعَجْزِ لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».(فَإِنْ مَاتَ) مَنْ وَجَدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ (قَبْلَ وُجُودِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ) أَيْ: سَعَةِ الْوَقْتِ وَأَمْنِ الطَّرِيقِ (أَخْرَجَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ) عَلَى الْقَوْلِ (الثَّانِي) لِمَوْتِهِ بَعْدَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ (دُونَ) الْقَوْلِ (الْأَوَّلِ) لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ.(وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ) لِاجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ (فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ فَرَّطَ) فِي الْحَجِّ بِأَنْ أَخَّرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ (أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ) كَالتَّأْخِيرِ لِمَرَضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ لِحَبْسٍ أَوْ أَسْرٍ أَوْ نَحْوِهِ (أُخْرِجَ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ حَجَّةً وَعُمْرَةً وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّيِّ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ أَكُنْت قَاضِيَتَهُ؟ اقْضُوا اللَّهَ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِهِ وَلِهَذَا كَانَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ فَوَجَبَ مُسَاوَاتُهُ لَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ أَوْ إيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ.(وَيَكُونُ) الِاحْتِجَاجُ عَنْهُ (مِنْ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ) لَا مِنْ حَيْثُ مَوْتُهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ، (وَيَجُوزُ) أَنْ يُسْتَنَابَ عَنْهُ (مِنْ أَقْرَبِ وَطَنَيْهِ) لِتَخَيُّرِ الْمَنُوبِ عَنْهُ لَوْ كَانَ حَيًّا.(وَ) يَجُوزُ (مِنْ خَارِجِ بَلَدِهِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ)؛؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ، وَ(لَا) يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنَابَ عَنْهُ مِمَّا (فَوْقَهَا) أَيْ: فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يُجْزِئُهُ) حَجُّ مَنْ اُسْتُنِيبَ عَنْهُ مِمَّا فَوْقَ الْمَسَافَةِ لِعَدَمِ إتْيَانِهِ بِالْوَاجِبِ.(وَيَسْقُطُ) الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ (بِحَجِّ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ وَلَوْ بِلَا إذْنِ) وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ بِخِلَافِ مَنْ حَجَّ عَنْ حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ كَدَفْعِ زَكَاةٍ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.(وَإِنْ مَاتَ هُوَ) أَيْ: مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَاسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ (أَوْ) مَاتَ (نَائِبُهُ فِي الطَّرِيقِ حُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ) هُوَ أَوْ نَائِبُهُ (فِيمَا بَقِيَ مَسَافَةً وَقَوْلًا وَفِعْلًا) لِفِعْلِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بَعْضَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ السَّعْيُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ وَطَنِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنُوبَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ ثُمَّ يَعُودَ إلَى الْحَجِّ.(وَإِنْ صُدَّ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ أَوْ نَائِبُهُ، (فُعِلَ) عَنْهُ (مَا بَقِيَ) مَسَافَةً وَقَوْلًا وَفِعْلًا لِمَا تَقَدَّمَ.(وَإِنْ وَصَّى بِحَجِّ نَفْلٍ وَأَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَحَلَّ الِاسْتِنَابَةِ (جَازَ) أَنْ يُحَجُّ عَنْهُ (مِنْ الْمِيقَاتِ) أَيْ: مِيقَاتِ بَلَدِ الْمُوصِي نَصَّ عَلَيْهِ (مَا لَمْ تَمْنَعْ مِنْهُ قَرِينَةٌ) بِأَنْ يُوصِيَ أَنْ يُحَجَّ بِقَدْرٍ يَكْفِي لِلنَّفَقَةِ مِنْ بَلَدِهِ فَيَتَعَيَّنُ مِنْهَا كَالْوَاجِبِ، فَإِنْ لَمْ يَفِ ثُلُثُهُ بِالْحَجِّ مِنْ مَحَلِّ وَصِيَّتِهِ حَجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ أَوْ يُعَانُ بِهِ فِي الْحَجِّ نَصَّ عَلَيْهِ.(فَإِنْ ضَاقَ مَالُهُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ الْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ بِأَنْ لَمْ يُخَلِّفْ مَالًا يَفِي بِهِ (أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أُخِذَ لِلْحَجِّ بِحِصَّتِهِ وَحُجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ نَصًّا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالدَّيْنِ.
|